الحمد لله وحده والصلاه والسلام على من لا نبي بعده وبعد ، نواصل الحديث بإذن الله تعالى عن أدلة الحجاب من القران والسنة ،وقد انتهيت بفضل الله تعالى من أدلة القرآن، ووصلت فى أدلة السنه إلى الحديث السابع عشر.
الحديث السابع عشر : عن أبي سلمة قال :جاء رجل الى ابن عباس رضي الله عنهما ،وأبو هريرة رضي الله عنه جالس عنده ،فقال : أفتني في امرأة ولدت بعد زوجها بأربعين ليله؟ فقال ابن عباس:عدتها آخر الأجلين ، فقلت أنا بل تحل حين تضع .قال الله تبارك وتعالى( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن )فقال إنما ذلك في الطلاق فقال أبو هريرة :أنا مع ابن أخى -يعنى أبا سلمة – فأرسل ابن عباس غلامه كريبا الى أم سلمة رضى الله عنها يسألها عن ذلك فجاءهم فأخبرهم ان أم سلمة قالت :إن سبيعة الأسلمية كانت تحت سعد بن خولة-وهو من بنى عامر بن لؤى،وكان ممن شهد بدرا فتوفى عنها فى حجة الوداع وهي حامل فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته بنصف شهر فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك فقال لها :مالي اراك متجملة ؟وقد اكتحلت واختضبت وتهيأت، لعلك ترجين النكاح ؟فخطبها رجلان أحدهما شاب والآخر كهل من بني عبد الدار يدعي أبي السنابل بن بعكك فحطت الى الشاب ،فقال الكهل : لم تحلى بعد ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعه اشهر وعشر، وكان أهلها غيبا فرجا إذا جاء أهلها أن يؤثروه بها ،فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما قال أبو السنابل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :كذب أبو السنابل قد حللت حين وضعت حملك فانكحى من شئت وفي روايه إذا أتاك أحد ترضينه فأتني به أو قال فأنبئينى ،فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن شهاب فلا أرى بأسا أن تتزوج حين وضعت _وإن كانت فى دمها غير انه لايقربها زوجها حتى تطهر . ( آخر الأجلين:عدة الحمل وعدة المتوفى عنها زوجها ، والمعنى أن أى الاجلين كان أطول تعتد به فإن طال الحمل عن أربعة اشهر وعشرا اعتدت بالحمل وإن قصر الحمل عن الاربعة اشهر وعشرا اعتدت بالأربعه أشهر وعشرا_ عده المتوفى عنها زوجها. أهلها غيبا: اي غائبين عنها في سفر ونحوه ،اخرجه البخارى ح3770،4626،5012،ومسلم ح 56،57،1484،1485،، وأبو داود ح 2306،،والترمذي ح،1194،والنسائي ح 3510،3511،3512،3514،3516،3518،3520،ابن ماجة ح 2027،2028،وغيرهم ).
يقول الشيخ الألباني: والحديث صريح الدلالة على آن الكفين ليسا من العوره في عرف نساء الصحابه وكذا الوجه أو العينين على الأقل، و إلا لما جاز لسبيعه رضي الله عنها أن تظهر ذلك امام أبي السنابل ، لاسيما وكان قد خطبها فلم ترضه (جلباب المرأه المسلمه ص 69) .
قلت: في قوله تجملت للخطاب: احتمالات أن تكون ارتدت أحسن ملابسها فيعود التجمل على الملابس والهيئة. لكن ورد فى الحديث أنها قد اكتحلت واختضبت ،والكحل قديدل على كشف الوجه بكامله ولا يدل ويكون ما ظهر منها العينان فقط. أما الخضاب فلا احتمال فيه فهذا يدل على أنها كانت مكشوفه اليدين أما القول بأن المرأه إذا تقدم لها الخطاب فإنه يجوز أن تظهر وجهها إن كانت منتقبة، فبعيد لأنها لم توافق على أبي السنابل ولم ترضه ،فكيف تتجمل وتتزين له ،وفى الحديث: فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك فقال: مالي أراك تجملت للخطاب ؟ .
عموما الحديث ليس فيه دليل صريح لكشف الوجه لأن التصريح فيه بالكحل، والكحل لا يدل على إظهار الوجه بكامله ،لكن فيه أنها كانت كاشفة عن يديها ومختضبة ، وهذا الذي يرد على من ذهب الى اعطاء حكم الكفين حكم الوجه في الاستتار، وإن كان هذا غير مسلم به، لأنه من الممكن للمرأة المنتقبة أحيانا ان تظهر كفيها لضروره مناولة أو حمل أو غير ذلك .
الحديث الثامن عشر: أومت امرأه من وراء ستر بيدها كتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما أدرى أيد رجل أم يد امرأة ؟ قالت بل يد امرأه. قال: لو كنت امرأه لغيرت أظفارك يعني بالحناء(سنن أبى داود وغيره) . سند الحديث : حدثنا حسن بن موسى قال حدثنا مطيع بن ميمون العنبري يكنى أبا سعيد قال حدثتني صفيه بنت عصمة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها.
قلت: مطيع بن ميمون العنبرى: في ترجمته لابن عدى أورد حديثه هذا وقال: ولمطيع بن ميمون بهذا الإسناد حديث اخر وجميعا غير محفوظين (انظر الكامل ت 1943) ، وقال عنه الحافظ ابن حجر :لين الحديث( تقريب التهذيب ت 6720) وقال الألباني عن الحديث وهذا سند لين ( الثمر المستطاب ص 314) وحسنه بشواهده في سنن أبى داود ح 4166 وفي سنن النسائي ح 5089وذكر له عده شواهد( انظر الثمر المستطاب ص 311_315)، إضافة لجهالة صفيه بنت عصمة فقد انفرد بالروايه عنها مطيع بن ميمون وجهلها الحافظان الذهبى وابن حجر. وجاء في رواية الطبراني للحديث (6702) أن صفية هي أم مطيع بن ميمون، والحديث فيه أن المرأه كانت كاشفة عن يديها ولو كانت يداها عورة لماسكت النبي صلى الله عليه وسلم على كشفهما، بل أمر المرأه أن تخضب يديها ليكون ذلك فارقا بينها وبين يدى الرجل .
لكن يبقى الاحتمال هل كان هذا قبل فرض الحجاب أم لا ؟ لكن رواية للحديث عند أبي داود: أن هند ابنة عتبة رضي الله عنها (زوج أبي سفيان رضي الله عنه )قالت يا نبي الله بايعني قال:لا أبايعك حتى تغيرى كفيك كأنها كفا سبع ( سنن ابي داود 4165 ) وسند هذه الروايه فيه مجاهيل: غبطة وعمتها أم الحسن وجدتها وأخرج البزار (ح٢٩٩٣) عن مسلم بن عبد الرحمن: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع النساء عام الفتح على الصفا فجاءت امرأه كأن يدها يد رجل فأبى أن يبايعها حتى غيرت يدها بصفرة.
وفى سنده عباد بن كثير الرملي وهو ضعيف وجهالة شميسه بنت نبهان، ح 3013 عن ابن عباس بنحوه وفيه عبد الله بن عبد الملك الفهري وهو منكر الحديث ،وليث بن ابى سليم وهو ضعيف ،وأخرجه الطبراني في الكبير 771 عن السوداء : أتيت رسول الله لأبايعه فقال اذهبى فاختضبى …. وفى إسناده نائلة وهى مجهولة ،والحديث ضعفه برواياته الارناؤط فى مسند احمد ح 26258 ) والألبانى حسن الحديث بشواهده في صحيح سنن أبي داود. فمن حسن الحديث استدل به على جواز كشف الكفين ومن المعلوم أن إسلام هند رضى الله عنها إنما كان بعد فتح مكه ،وفتح مكة كان بعد نزول ايات الحجاب ،وبالتالي فلا احتمال يرد على الحديث في حال الاخذ بتحسينه أن ذلك كان قبل نزول الحجاب ، قد يقال أن هند أسلمت حديثا ولا تعرف تعاليم الاسلام بعد، لكن يرد على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليسكت على كشفها لكفيها لو كانا عورة، بل ويأمرها بتغييرهما بالحناء.الاستدلال من الحديث :يقول الشيخ التويجري مستدلا بالحديث على وجوب تغطية الوجه :وهذا الحديث يدل على أن نساء الصحابة رضى الله عنهم كن يستترن عن الرجال الأجانب و يغطين وجوههن عنهم ولم يكن الصحابة رضى الله عنهم رجالا ونساءا يفعلون شيئا الا بأمر من الشارع ،فعلم من هذا أن الاستتار وتغطية الوجوه كان مشروعا للنساء ولهذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على المرأه ترك الخضاب في يديها وأقرها على الاستتار و تغطيه الوجه ( الصارم المشهور ص 88 ) .
واستدل الشيخ الألباني بالحديث وشواهده بجواز كشف وجه المرأه وكفيها ،وإلا ما أقر النبى صلى الله عليه وسلم المرأة على كشف يديها ( انظر جلباب المرأه المسلمه ص 71-72).
قلت: الحديث من ناحيه سنده فيه ما ذكرت ، أما من ناحيه المتن فإن كان لليد حكم الوجه فيصير حجة لمن قال بجواز كشفهما، وإن كانت اليد قد يتجاوز عن كشفها _ أحيانا_ للضروره فيصير حجة لمن قال بوجوب تغطيه الوجه.
ويرد هنا سؤال هل مناولة الكتاب من حالات الضروره ام لا ؟ .
الحديث التاسع عشر: عن عائشة رضي الله عنها قالت رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا انظر إلى الحبشه يلعبون فى المسجد حتى أكون أنا التى أسأم ، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو (متفق عليه ) .
والحديث يحتج به من يقول بوجوب النقاب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستر أم المؤمنين عائشه رضي الله عنها بردائه .
يقول الإمام النووي :وفيه جواز نظر النساء إلى لعب الرجال من غير نظر الى نفس البدن، وأما نظر المرأة إلى وجه الرجل الاجنبي فإن كان بشهوة فحرام بالاتفاق، وإن كان بغير شهوة ولا مخافه فتنة ففي جوازه وجهان لأصحابنا (الشافعية) أصحهما تحريمه لقوله تعالى:( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ) ولقوله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة وأم حبيبة : احتجبا عنه ،أي: عن ابن أم مكتوم، فقالتا: إنه أعمى لا يبصرنا، فقال صلى الله عليه وسلم أفعمياوان انتما أليس تبصرانه وهو حديث حسن رواه الترمذي وغيره، وعلى هذا أجابوا عن حديث عائشة رضي الله عنها بجوابين، وأقواهما أنه ليس فيه أنها نظرت إلى وجوههم وأبدانهم، وإنما نظرت إلى لعبهم وحرابهم ،ولايلزم من ذلك تعمد النظر الى البدن، وإن وقع النظر صرفته فى الحال . والثانى : لعل هذا كان قبل نزول الآية فى تحريم النظر وأنها كانت صغيره قبل بلوغها فلم تكن مكلفه على قول من يقول أن للصغير المراهق النظر (شرح النووي على مسلم 6/184) ،وللحديث بقيه والحمد لله رب العالمين